شعرنا بالخجل ونحن نتابع أنباء لقاء الأخ الرئيس مرسى مع السادة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، «الخطأ» من جانب شيوخ القضاة بالذهاب إلى مقر الرئاسة بدلا من انتقال الأخ الرئيس إلى محراب القضاء، يتحول إلى «خطيئة» من جانب الرئاسة حين يكون هناك تصور أن هذا يعلى من مقام الرئيس، مع أن أقل القليل من الحكمة يكشف أن ما يعلى من مقام الرئاسة حقيقة هو احترام القضاء وحماية استقلاله، وليس التآمر عليه ومحاولة اختراقه وفرض «الأخونة» لتنهى دولة القانون!!
البيان الصادر عن الرئاسة بشأن الاجتماع كان «ممتازا» فى كشفه طبيعة النظام الذى يخلق المشكلات ويتهرب من المسؤولية، والذى يتصور أنه قادر على التلاعب بكل الأطراف لكى يحقق هدفه من تفكيك كل مؤسسات الدولة، لكى يقيم على أنقاضها نظاما استبداديا جديدا، يتخفى تحت شعارات الإسلام البرىء من كل هذا العبث.
تقول الرئاسة إن شيوخ القضاء أكدوا أنهم يثقون بأن الرئيس حريص على معالجة ما يستشعره القضاة من قلق إزاء بعض التصريحات والمواقف التى يرون فيها مساسا باحترام القضاء وتشكيكا فى نزاهته.
لا أعرف من أين تأتى هذه الثقة، والأخ الرئيس يظهر قبل يومين على القناة التليفزيونية للكفيل القطرى، فيثير بنفسه الشكوك حول أحكام القضاء، ويبرر «المخاوف» لدى الناس، ويفتح الباب لمظاهرات الاحتجاج ضد القضاء التى نظمتها جماعته التى أعلن -فى نفس الحوار- اعتزازه بالانتماء إليها!!
ويقول بيان الرئاسة إن الرئيس أكد بشكل قاطع الحرص على صيانة الدستور والحفاظ على استقلال القضاء، وأنه لا يقبل أى مساس أو تطاول على القضاء. كلام جميل وكلام معقول، ولكن.. كيف يتفق الحرص على الدستور والقانون، مع جريمة «الإعلان الاستبدادى» الذى أصدره الأخ الرئيس فى نوفمبر الماضى والذى دفعت مصر ثمنه الفادح وما زالت تدفع حتى الآن؟ أى حرص على الدستور والقانون، مع الإعلان أن القرارات والقوانين التى يصدرها الرجل خارج الحساب أو المراجعة، وفوق القانون والدستور؟! وأى احترام للقضاء إذا كان الرجل قد قرر -فى هذا الإعلان- أن يمنع القضاء من إصدار أحكامه فى القضايا المهمة المعروضة عليه، حتى لا يتم حل مجلس الشورى الباطل، أو لجنة الدستور الأكثر بطلانا؟!
وتتجاهل الرئاسة فى بيانها جوهر الموضوع.. وهو هذا العدوان المستمر على قضاء مصر، والذى يصل إلى مداه بهذا القانون المشبوه للتخلص من رُبع قضاة مصر بخفض سن المعاش، وبهذا التطاول غير المسبوق على قضاء مصر الشامخ، وبهذه المظاهرات من حزب الرئيس وجماعته وأهله وعشيرته للإساءة إلى القضاء والدعوة لتطهيره.. أو الانتقام منه!!
تتجاهل الرئاسة فى بيانها أننا أمام «جريمة فى حق الدولة، وخطيئة ضد الثورة» كما قال المستشار طارق البشرى فى وصف مشروع القانون المشبوه، وتتجاهل استقالة وزير العدل أحمد مكى احتجاجا على هذه الجريمة، وتتجاهل حتى موقف مستشارها القانونى فؤاد جاد الله الذى أدرك فى النهاية ما كان واضحا للآخرين منذ البداية، وهو أن القرار الحقيقى فى مكان آخر، فأعلن أن القرارات الرئاسية تعرض على مكتب الإرشاد!! ولعل الأصح أن يقول: إنها تأتى من هناك!!
تتجاهل الرئاسة جوهر المشكلة، وهو العدوان المدبر من جماعة الرئيس وأهله وعشيرته على استقلال القضاء، لتقول إن الأخ الرئيس «حريص على الفصل بين السلطات دون التدخل فى شؤونها لترسيخ دعائم دولة القانون واحترام الدستور».. مرة أخرى.. كلام جميل وكلام معقول، ولكن.. أين كان الفصل بين السلطات واحترام الدستور ودولة القانون، حين تم عزل النائب العام ليأتى النائب الملاكى بقرار باطل يرفض الأخ الرئيس تنفيذ الحكم القضائى ببطلانه؟! وأين كان الفصل بين السلطات حين وقف الرئيس بنفسه يعلن نتائج تحقيقات لم تبدأ بعد فى أحداث الاتحادية؟!
ثم.. هل يعنى «الفصل بين السلطات» أن نترك مجلس السبعة فى المئة الشهير بمجلس الشورى للانتقام من القضاء عن طريق هذا التشريع المشبوه؟! وهل يجوز لعاقل أن يتصور أن مستقبل القضاء فى مصر يقرره مجلس باطل اختاره الناس ليكون مجرد «ديكور» أو «سبوبة» لأعضائه، فإذا به يتحول إلى برلمان يهتز «وسطه» فتتوالى القوانين المشبوهة؟!
أم أن «الفصل بين السلطات» كما يراه الحكم الآن، هو أن نترك السلطة التنفيذية «تبرطع» كما تشاء، و«تتأخون» كما يريد من بيدهم الأمر، وأن نترك مجلس السبعة فى المئة يصدر القوانين المشبوهة أو غير الدستورية.. ثم نطلب من القضاء أن لا يتدخل حمايةً للدستور وتطبيقا لصحيح القانون؟!
ما ينساه الأخ الرئيس وجماعته وأهله وعشيرته أن اللعبة مكشوفة، وأن المعركة ليست معركة القضاة وحدهم، بل هى معركة مصر كلها ضد الفاشية، وأن مصر لن تسمح باستبداد جديد، ولن تنخدع أبدا بأصوات القتلة، وهى تتحدث عن استقلال القضاء!!
مع تحيات مكتب الأستاذ محمد سالم للإستشارات القانونية
19ب عمارات العبور - صلاح سالم - القاهرة