الفرع الثالث:تمام فعل الأخذ والشروع فيه:
إن لتحديد لحظة تمام الركن المادي للسرقة أهمية بالغة،إذ يوضح ذلك ما إذا كنا أمام جريمة سرقة أم مجرد محاولة أو الشروع فيها.فيعتبر الركن المادي للسرقة تاما إذا تحققت جميع عناصره،ويفترض هذا الركن إخراج الشيء من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازة أخرى.ويعني الإخراج من الحيازة:إنهاء جميع السلطات التي كان في وسع المجني عليه مباشرتها على الشيء.ويعني الإدخال في الحيازة:صيرورة الشيء موضوعا لسلطات يباشرها عليه الحائز الجديد .ومؤدى ذلك أنه إذا كان الشيء لا يزال-على الرغم من النشاط الذي بذله المتهم-موضوعا لسلطات المجني عليه أو كان المتهم لا يستطيع مباشرة سلطات عليه،فالسرقة هنا تعتبر في مرحلة المحاولة.
على أن اللحظة التي يدخل فيها الشيء في حيازة الجاني وتعتبر السرقة تامة هي مسألة موضوعية تقدرها محكمة الموضوع،إذ أنها تختلف من واقعة إلى أخرى،وهناك حالات تعتبر فيها السرقة تامة على الرغم من أن الجاني مازال في المكان الذي وقعت فيه الجريمة،كحالة الخادم الذي يسرق شيئا من صاحب المنزل الذي يعمل فيه ويضعه في غرفته الخاصة،فيعتبر مرتكبا لجريمة السرقة على الرغم من بقاء الشيء في المنزل .أما لو وضع الخادم الشيء في إحدى غرف المنزل تمهيدا لنقله إلى مكان خاص،فالجريمة لا تعتبر تامة وإنما شروعا في السرقة.
وقد لا يتمكن الجاني من إتمام جريمة السرقة لأسباب خارجة عن إرادته،عندئذ لا يجوز مساءلته عن جريمة تامة،وإنما يسأل عن الشروع فيها إذا كان قد بدأ بتنفيذ الركن المادي لهذه الجريمة.فالشروع في الجريمة أو محاولة إرتكابها يعني"إتيان الأفعال التي ترمي مباشرة إلى تحقيقها إلا أن النتيجة لا تتحقق لسبب خارج عن إرادة الجاني.وتعتبر الواقعة شروعا في كل حالة لم يتحقق فيها تمام جريمة السرقة،وقد أرست المحكمة العليا بالسلطنة مبدأ في ذلك قضت فيه "أن النشاط الإجرامي في محاولة إرتكاب جريمة السرقة هو ذاته في الجريمة التامة،إلا أنه في المحاولة لم تكتمل لسبب خارج عن إرادة الفاعل ولا يد له فيه،وأن الركن المعنوي فيهما واحد وهو قصد جنائي في تحقيق النتيجة الجرمية" .وتعتبر الجريمة تامة من الوقت الذي ينشيء فيه الجاني حيازة كاملة مستقرة وهادئه له أو لغيره،فإذا لم تكن كذلك عدت شروعا .مثال ذلك إذا قاوم المجني عليه الجاني وتبعه بالصياح،فإن الواقعة تعتبر شروعا طوال هذه الفترة إلى أن تنتهي المقاومة أو الصياح وتصبح الحيازة هادئه ومستقرة.
المطلب الثالث:الركن المعنوي
تعتبر السرقة من الجرائم العمدية التي يتخذ فيها الركن المعنوي صورة القصد الجنائي،والقصد الجنائي-كما هو معلوم- يتكون من عنصرين هما العلم والإرادة.وهو في جريمة السرقة يتضمن العلم بعناصر الجريمة أي يجب أن يعلم الجاني بأنه يستولي على منقول مملوك للغير بدون رضاه،وأن تتجه إرادته إلى فعل الأخذ أوالإختلاس،أي الإستيلاء على الحيازة الكاملة.
وبالإضافة إلى القصد العام،فإنه يجب توافر قصد خاص في جريمة السرقة هو نية التملك.وسوف نقسم هذا المطلب إلى فرعين،الأول نخصصه للقصد العام والثاني للقصد الخاص.
الفرع الأول:القصد العام
عرف المشرع العماني في المادة(80)قانون الجزاء،القصد بأنه"النية الجرمية هي إرادة إرتكاب الجريمة على النحو الذي عرفها به النص القانوني،ولا يمكن لأحد أن يحتج بجهله للشريعة الجزائية أو بفهمه إياها بصورة مغلوطة".ويتحقق القصد العام بتوافر عنصرين الأول:أن يعلم الجاني بأركان الجريمة وعناصر هذه الأركان ويعلم بأنه يستولي على مال منقول مملوك للغير،وأن هذا الإستيلاء بدون رضاء صاحبه.والثاني:أن تتجه إرادته إلى القيام بالفعل وتحقيق نتيجته الجرمية .وسوف نخصص لهذين العنصرين فرضين متتاليين.
الفرض الأول:العلم
لا تكفي إرادة إرتكاب فعل الإختلاس لتحقق القصد العام في جريمة السرقة،وإنما يجب فضلا عن ذلك، أن يحيط علم الجاني بأركان الجريمة فيكون عالما بأنه يقوم بفعل إختلاس،أي إخراج الشيء من حيازة وإدخاله في حيازة أخرى دون رضاء المجني عليه،وبأن فعله يقع على مال منقول مملوك للغير .
1- علم الجاني أنه يقوم بفعل الإختلاس:
أي يجب أن ينصرف علم الجاني إلى أنه يقوم بفعل الإختلاس،بمعنى الإستيلاء على الحيازة وتخلف رضاء المجني عليه.فلا يكفي علم المتهم أن المال في حيازة غيره الذي لم يرض بخروجه منها إذ قد يجهل أن من شأن فعله المساس بهذه الحيازة،وهذا الجهل ينفي العلم بالإعتداء على حيازة الغير وينفي القصد تبعا لذلك.فمن يحمل حقيبته التي وضع فيها شخص دون علمه مالا منقولا مملوكا لغيره، لا يتوافر لديه القصد،لأنه لا يعلم وقت فعله-وهو حمل الحقيبة-أنه يدخل بذلك مال غيره في حيازته .ويجب كذلك أن يكون الفاعل في جريمة السرقة عالما بأنه يختلس مال الغير بدون رضائه،فإذا كان الشخص يعتقد حين أخذ مال الغير أن صاحب المال يرضى بأخذه،فلا يكون سارقا لإنتفاء القصد الجرمي.بل أن السرقة لا تقوم إذا توافر رضا صاحب المال عند أخذ الفاعل لهذا المال حتى ولو كان من استولى عليه يعتقد أنه يختلسه بدون رضاء صاحبه،وسبب إنتفاء السرقة يعود لتخلف الركن المادي .
2- علم الجاني بأن فعله يقع على منقول مملوك للغير:
يجب أن يعلم الجاني أنه استولى على منقول مملوك للغير،فإذا كان يعتقد غير ذلك إنتفى لديه القصد الجنائي.فإذا اعتقد الجاني أن المنقول مملوك له أو أنه مباح أو متروك فلا يتوافر العلم ولا يقوم القصد الجنائي.
وينبغي التفرقة بين الجهل بالقانون والجهل بالوقائع،فالجهل بالقانون لا يعتبر عذرا للجاني،فإذا إعتقد الدائن أن من حقه الإستيلاء على أموال المدين في حدود حقه فلا يعتد بهذا الغلط.أما الجهل بالوقائع فيؤدي إلى إنتفاء القصد الجنائي،كما لو إنصب الجهل على قاعدة مدنية متعلقة بأسباب كسب الملكية أو إنتقالها أو فقدها.ومثالها أن يسترد البائع الشيء المبيع من المشتري الذي لم يدفع الثمن وماطل في ذلك بحيث إعتقد البائع أن الملكية لم تنتقل إليه .
الفرض الثاني:الإرادة
لا يتحقق القصد العام في جريمة السرقة إلا إذا إتجهت إرادة الجاني إلى إخراج الشيء من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازته،وكانت إرادته معتبرة.بأن كانت مميزة ومدركة ومختارة،فإذا أكره شخص على القيام بفعل الإختلاس إكراها معنويا تتخلف لديه إرادة إرتكاب الإختلاس فينتفي القصد العام في الجريمة .وكذلك ينتفي القصد إذا كان الفاعل صغيرا أو مجنونا.
الفرع الثاني:القصد الخاص:
لا يكفي لتوافر القصد الجنائي في جريمة السرقة،توافر عناصر القصد العام وحدها،وإنما يجب أن يتوافر لدى المتهم نية خاصة وهي"نية تملك الشيء المختلس"وهذه هي النية الخاصة الواجب توافرها في جريمة السرقة.فمن يأخذ شيئا من مالكه بدون رضاه لا يعد سارقا مادامت نيته لم تتجه إلى تملك ذلك الشيء.ويترتب على ذلك أنه إذا إقتصرت نية الفاعل على مجرد حيازة الشيء حيازة ناقصة تخلف القصد الخاص فلا تقوم جريمة السرقة،وتطبيقا لذلك لا يعد سارقا من يختلس كتابا لقراءته ثم إعادته إلى صاحبه بعد ذلك أو يختلس آلة لطباعة بعض المنشورات وردها .غير أن المشرع العماني إعتبر الحالة الأخيرة سرقة وعاقب عليها بالمادة(281/1) من قانون الجزاء،واعتبرها من الجرائم التي تحتاج إلى شكوى لتحريكها.
وسوف نتطرق بالتفصيل إلى القصد الخاص ونبين عناصره في مبحث مستقل لإعطائه أكبر مساحه من البحث.
المطلب الرابع:نية التملك
لا يكتمل القصد الجنائي في جريمة السرقة إلا إذا كانت غاية المختلس إمتلاك ما استولى عليه أو تمليكه لغيره.فإن وقع الإستيلاء لغرض آخر فإن القصد الجنائي لا يقوم ولو ترتب على هذا الإستيلاء تجريد المالك نهائيا من ماله.فمن ينتزع شيئا مملوكا لغيره قاصدا إتلافه ثم يعدمه فور إنتزاعه لا يعد سارقا.ولا يعد كذلك من باب أولى من يختلس شيئا بقصد الإنتفاع به على أن يرده بعد ذلك إلى صاحبه،والمشرع العماني إعتبر الحالة السابقة من باب السرقة وعاقب عليها بالمادة (281/1) من قانون الجزاء،ولكنه أصبغ عليها طابع مختلف عن باقي السرقات فجعلها من الجرائم التي تحرك بشكوى من المجني عليه وتسقط بتنازله وجعل عقوبتها الحبسية لا تزيد على ثلاثة أشهر والغرامة لا تزيد على عشرين ريالاً.وسوف نقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع،الأول نخصصه لبيان نية التملك وأراء الفقهاء فيها، والثاني نخصصه لعناصر نية التملك ومعاصرتها لفعل الإختلاس،أما الفرع الثالث والأخير سوف نتناول فيه إثبات هذه النية وأثر إنتفائها.
الفرع الأول:نية التملك وأراء الفقهاء فيها:
نية التملك في جريمة السرقة"تعني إرادة مباشرة السلطات التي تنطوي عليها حق الملكية.وقد اعتبر القصد الذي يقوم بهذه الإرادة قصدا خاصا،لأن الحالة التي تتجه إليها ليست من عناصر الركن المادي للسرقة،والذي يعد تاما بخروج الشيء من حيازة المجني عليه ودخوله في حيازة المتهم أو غيره .
فالنية هنا هي نية الجاني في أن يحوز الشيء حيازة كاملة ويباشر عليه السلطات التي يملكها المالك،ويحول دون أن يباشر المالك حقوقه على هذا الشيء .فإذا إقتصرت نية الفاعل على مجرد حيازة الشيء حيازة ناقصة تخلف القصد الخاص،وبالتالي تخلفت جريمة السرقة ،كمن يختلس سيارة من أجل التنزه بها ثم ردها.كذلك تنتفي النية إذا إقتصرت نية الفاعل على مجرد وضع اليد العارضة على الشيء،فمن يتناول شيئا لفحصه ورده حالا أو من يأخذ صورة للإطلاع عليها أو خطابا لقراءته ورده حالا لا يعد سارقا.
أن القول بوجوب توافر القصد الخاص في جريمة السرقة على البيان السابق ذكره،محل خلاف بين الفقهاء.فهناك من يرى أنه يلزم توافر قصد خاص يتمثل في نية التملك، بينما يذهب البعض الآخر إلى الإكتفاء بالقصد العام على اعتبار أن نية التملك تندمج في عناصر الجريمة.وسوف نعرض لأرآء المعارضين والمؤيدين لفكرة نية التملك:
1- المعارضين لفكرة نية التملك:
يذهب أصحاب هذا الإتجاه إلى أنه يجب الإكتفاء في قيام الركن المعنوي بالقصد العام وحده.وذلك أن الإختلاس لا يتحقق في-في ذاته- إلا إذا اقترن الشيء بنية التملك.وفي هذا المعنى ذهبت محكمة النقض المصرية أن من أركان جريمة السرقة أن يأخذ السارق الشيء بنية تملكه والمفروض أن من يختلس شيئا فإنما ينتوي تملكه وتأكد هذا المعنى في حكم حديث للمحكمة جاء فيه حرفيا أن جريمة السرقة لا تتطلب لقيامها قصدا جنائيا خاصا،بل يتوافر القصد الجنائي فيها بمجرد قيام العلم عند الجاني وقت إرتكاب الفعل بأنه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية تملكه .
وقد اختلف فقهاء هذا الإتجاه في تحديد موضع نية التملك في البنيان القانوني لجريمة السرقة.فهناك من يرى أن نية التملك تمثل عنصرا في توافر الإختلاس الذي لا يقوم بدونه،وترتيبا على ذلك ترتبط نية التملك بالركن المادي للجريمة ،وتفصيل ذلك أن الإختلاس هو سلب الحيازة الكاملة للشيء بعنصريها المادي والمعنوي فلا يتحقق الإستيلاء على الشيء"وهو جوهر العنصر المادي للحيازة"،وتوافر نية التملك "وهو العنصر المعنوي لهذه الحيازة والذي لا يتصور وقوع الإستيلاء بدونه".
بينما يرى البعض الآخر من الفقه-الذي يسلم أيضا بكفاية القصد العام-أن الوضع الطبيعي لدراسة نية التملك هو الركن المعنوي المتمثل في القصد الجنائي العام وهو إرادة فعل سلب الحيازة الكاملة بعنصريها المادي والمعنوي،أي إرادة وضع المال تحت السيطرة المادية للجاني وظهوره عليه بمظهر المالك مع إحاطة العلم بذلك .
2- المؤيدين لفكرة نية التملك:
يذهب غالبية فقهاء القانون الجنائي إلى وجوب توافر قصد خاص في جريمة السرقة،فلا يكفي لمساءلة الجاني توافر القصد الجنائي العام لديه،والذي يقوم على العلم والإرادة المنصرفين إلى العناصر المادية للجريمة.بل يجب أن يتوافر قصد خاص يتمثل في نية تملك الشيء .
ويلاحظ أن نية التملك تختلف عن الإرادة كعنصر في القصد العام حيث أن هذه الأخيرة لا تعني أكثر من إتجاه إرادة الجاني على إخراج المال من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازته أو حيازة الغير،في حين أن نية التملك تعني"نية الجاني في أن يحوز الشيء حيازة كاملة ويباشر عليه السلطات التي يملكها المالك.وتجدر الإشارة إلى أن نية التملك لا تتجه إلى الملكية كحق وإنما كمركز واقعي وفحوى إقتصادي،أي مجموعة من السلطات والمزايا الفعلية .
3-ونرى أنه من وجهة نظرنا الخاصة-والتي قد يجانبها الصواب-أنه ليس بالضرورة إشتراط قصد خاص لجريمة السرقة إلى جانب القصد العام،لأنه إذا سلمنا بأن الإستيلاء على الحيازة الكاملة بعنصريها المادي والمعنوي يتطلب بالإضافة إلى السيطرة الفعلية المستقلة على الشيء،نية الظهور على الشيء بمظهر المالك أو نية الإستئثار بالشيء(نية التملك).ولما كان من عناصر القصد العام إتجاه الإرادة إلى الإستيلاء على الحيازة الكاملة ،فإننا نعتقد أن إتجاه الإرادة ليس فقط إلى النشاط المادي المكون للإستيلاء،وإنما أيضا إلى الركن المعنوي في الحيازة الكاملة وهو نية التملك.
ونعتقد أن السبب الذي دفع أصحاب الإتجاه الغالب في الفقه إلى القول بضرورة توافر نية التملك يرجع في نظرهم إلى أنه لا يمكن تصور توافر مثل هذه النية ضمن عناصر الركن المادي،وإن كنا نشاطرهم الرأي بإعتبار الركن المادي بحسب تعريفه وتسميته يقتصر على الماديات،بينما الركن المعنوي متعلق بالجانب النفسي،إلا أننا نرى في جريمة السرقة فرضت علينا حسب تكوين ركنها المادي ضرورة التسليم بوجود عناصر نفسية لابد منها لتوافره،فعدم الرضا عنصر نفسي،ولهذا فإن تجزئة العنصر النفسي في الحيازة الكاملة واعتبار نية التملك أمرا خارجا عنها واعتباره بمثابة قصد خاص هو أمر لا يتوافق مع واقع الركن المادي في جريمة السرقة.
الفرع الثاني:عناصر نية التملك ومعاصرتها لفعل الإختلاس:
سوف نتناول في هذا الفرع العناصر التي تتطلبها نية التملك ومعاصرة هذه النية لفعل الإختلاس،وذلك في فرضين متتاليين.
الفرض الأول:عناصر نية التملك
عرفنا أن نية التملك تعني إرادة الظهور على الشيء بمظهر المالك،أي إرادة السلوك تجاهه كما يسلك المالك إزاء ملكه.لذلك فهي تقوم على عنصرين،أولهما سلبي:وهو إرادة حرمان المالك الشرعي من سلطاته على الشيء.والثاني إيجابي:قوامه إرادة السارق أن يحل محل المالك في سلطاته على الشيء .
والعنصر السلبي وهو إرادة حرمان المالك من سلطاته على الشيء،تعني أن السارق قد بات يجحد حق المالك وينوي الحيلولة بينه وبين مباشرة سلطاته على الشيء،ومظهر هذا العنصر –غالبا- هو العزم على عدم رد الشيء سواء تلقائيا أو عند المطالبة به .أما العنصر الإيجابي وهو إرادة المتهم أن يحل محل المالك في سلطاته على الشيء،تعني أن الجاني يستعمله وينتفع به ويتصرف فيه على نحو ما كان يفعل المالك .فهو يريد أن يباشر على الشيء سلطه تشبه في مظهرها وعناصرها السلطة التي يعترف بها القانون للمالك.
ويستفاد من هذين العنصرين،أنه لا يشترط لتوافر نية التملك أن يكون لدى الجاني نية الإثراء على حساب المجني عليه،ولا أن يكون للجاني النية في إفقار المجني عليه.فنية التملك تعتبر متوافرة لدى الجاني ولو لم تتجه إرادته إلى الإثراء على حساب المجني عليه،فالقصد الجرمي يعتبر متوافرا ولو قام السارق بأخذ الشيء ثم وهبه لشخص آخر .كذلك يعتبر القصد الجرمي متوافرا ولم تتوافر لدى الجاني نية إفقار المجني عليه،فقد تتجه نية الفاعل إلى أخذ مال الغير بدون رضاه وبقصد تملك ذلك الشيء ولكن هذا الأخذ وتجريد المالك من ماله لا يؤدي إلى التأثير على الذمة المالية للمجني عليه،وربما على العكس من ذلك تؤدي إلى زيادة لذمته المالية ومع ذلك يعتبر الفعل سرقة،فلو طلب شخص من آخر أن يبيعه شيئا لكن لإعتزاز المالك بذلك الشيء لم يرغب ببيعه،فانتهز الجاني الفرصة وأخذه بدون رضاء المالك ولكنه وضع مبلغا من النقود يعادل قيمة الشيء أو يزيد فهذا الفعل يعد سرقة .كذلك تعتبر النية متوافرة بغض النظر عن الباعث على السرقة ،فيستوي أن يكون الدافع إلى الإختلاس الرغبة في الإنتقام من المجني عليه أو تحقيق مصلحة لشخص آخر،فالباعث ولو كان نبيلاً لا ينفي القصد الجنائي،فالقصد يعتبر متحققا أيا كانت الغاية المستهدفة بالإختلاس،فيستوي أن تكون الكسب غير المشروع أو إنقاذ مريض أو سد الرمق .
الفرض الثاني:معاصرة نية التملك لفعل الإختلاس:
طبقا للقواعد العامة يجب معاصرة القصد الجنائي للفعل المادي الذي تتكون منه الجريمة،فيلزم أن يكون القصد بعنصريه السابقين متوافرا وقت قيام الجاني بالإستيلاء على الحيازة الكاملة للمنقول المملوك للغير،فإذا تخلف القصد الجنائي في هذا الوقت لا يتحقق التعاصر المطلوب ولا تقوم جريمة السرقة . ومن البديهي ألآ يثور البحث في حالة تسليم الشيء من مالكه إلى المتهم تسليما ناقلا للحيازة الكاملة أو الناقصة.إذ لا يتصور وقوع فعل الإختلاس-وهو يتمثل في الإستيلاء على الحيازة-في حالة وجود الشيء في حيازة المتهم الكاملة أو الناقصة،وإنما يثور البحث في حالة عدم تسليم الشيء إطلاقا للجاني أو تسليمه له على سبيل اليد العارضة .
ففي حالة عدم التسليم،إذا استولى الجاني على الشيء الموجود في حيازة المجني عليه بنية تملكه عد سارقا لقيام القصد وقت إرتكاب فعل الإختلاس،أما إذا إستولى على الشيء وهو يجهل أنه مملوك للغير أو يعتقد أن المالك أو الحائز راض عن الفعل،فإنه لا يعد سارقا ولو تبين حقيقة الأمر فيما بعد فامتنع عن رد الشيء محتفظا به لنفسه ،لأن القصد الجنائي لم يكن قائما وقت فعل الأخذ وإنما توافر بعد ذلك .أما إذا كانت للمتهم على الشيء اليد العارضة فحسب،ثم نشأت نية تملكه وهو عالم بأنه مملوك للغير وأن مالكه غير راض عن الاستيلاء عليه،فاستولى على حيازته الكاملة فإن الإستيلاء يعد معاصرا للقصد الجنائي فتقوم به جريمة السرقة.
ولكن الخلاف يثور في الحالة التي يستولي فيها الفاعل على مال الغير بحسن نية،ثم تبرز له بعد ذلك الرغبة في تملك هذا المال:فذهب رأي في الفقه إلى القول بأن السرقة لا تقوم في مثل هذه الحالة،إذ أن إستيلاء الجاني على المال بغير نية تملكه يعطيه عليه نوعا من الحيازة المؤقتة تنفي فعل الإختلاس،فإذا قام القصد بعدئذ فإنه لا يكفي وحده لقيام السرقة .
وذهب رأي آخر في الفقه إلى اعتبار أن الشخص يعتبر سارقا،والسبب في ذلك أن الحيازة لم تنتقل إليه سواء كانت حيازة كاملة أو ناقصة،إذ الحيازة متخلفة في هذه الحالة.فإذا انصرفت نية الشخص إلى أخذ الشيء لنفسه بعد أن وجد ماديا بين يديه وعلى سبيل اليد العارضة ،فيعتبر سلبا للحيازة وتتوافر نية التملك ويسأل عن جريمة سرقة .
ونعتقد أن الرأي الأخير هو الأقرب إلى الصواب،لأن قيام الجاني بالإستيلاء على مال الغير ولو بحسن نية،لا ينفي فعل الأخذ طالما ساءت نيته بعد ذلك واتجهت إلى الظهور على الشيء بمظهر المالك الحقيقي ،كما أن القول بخلاف ذلك لا يحقق المصلحة العامة ويخلق في الواقع العملي إشكالية إثبات سؤ النية لدى الجاني ووقت قيام هذه النية.فضلا عن أن ذلك يتعارض مع غاية المشرع من تجريم السرقة وهي حماية الملكية والحيازة معا.
الفرع الثالث:إثبات نية التملك وأثر إنتفاءها:
وفقا للمبادئ العامة فإن عبء إثبات توافر القصد الجرمي يقع على عاتق سلطة الإتهام أي الإدعاء العام،فيجب أن يثبت أن الفاعل قد إرتكب السرقة مع قيام العلم لديه وقت إرتكابه لجريمته،بأنه يسرق مالاً منقولا مملوكا للغير وبدون رضاء مالكه وبنية تملكه والإستئثار به لنفسه.ولما كانت نية التملك هي حالة نفسية لدى الجاني فإن إثبات هذا القصد يكون من خلال الوقائع وملابسات كل قضية على حده.والسؤال الذي يطرح هنا ،هل يجب على الإدعاء العام أن يثبت توافر هذه النية في كل السرقات ويقيم دليل مستقل على قيامها لدى الجاني؟
نعتقد أن الإجابة بنعم على هذا السؤال تصطدم مع الواقع العملي ويجعل من الصعوبة بمكان إثبات هذا القصد،وبالتالي صعوبة إثبات الجريمة برمتها،ولكن في غالب الأحيان فإن هذه النية تكون واضحه ولا ينازع فيها أحد، ويمكن إستظهارها من خلال ملابسات الوقائع والتحقيقات التي يجريها عضو الإدعاء العام لكل قضية على حده،ولكن في بعض الحالات يكون توافر القصد محل شك ونزاع، فهنا يجب تناول المسألة بإهتمام أكبر،على أن مسألة التحقق من توافر القصد من عدمه هي من إطلاقات قاضي الموضوع، وقد أرست المحكمة العليا بالسلطنة في هذا الصدد مبدأ ذكرت فيه"أن القصد الجنائي أمر لا يدرك بالحس الظاهر وإنما بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. وأضافت في نفس المبدأ أن "إستخلاص القصد الجنائي عنصر من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع وتقديره له لا معقب عليه فيه ما دامت الأسباب والإعتبارات التي بنى عليها تؤدي إلى ما انتهى إليه بدون شطط أو مجافاة للمعقول" .
ولا يلزم لمحكمة الموضوع أن تتحدث صراحة عن قيام القصد الخاص في السرقة فيما لو كانت الوقائع تشير بذاتها إلى قيامه،علما بأن إستنتاج القصد مسألة موضوعية وعلى المحكمة أن تفند إدعاء المتهم بإنتفاء القصد الجرمي وتدلل على وجوده وإلا كان حكمها معيبا،فقد يدعي المتهم بأنه كان ينوي الإطلاع على المال الذي أخذه أو أنه أراد الإنتفاع به ورده إلى صاحبه.وقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه"إذا كان المتهم قد نازع في قيام نية التملك بقوله أنه ما قصد بأخذ البطانية -محل دعوى السرقة-إلا مجرد الإلتحاف بها إتقاء للبرد،فإنه يكون من الواجب على المحكمة أن تتحدث عن قصده الجنائي وتقيم الدليل على توافره،فإذا هي لم تفعل ذلك كان حكمها قاصرا قصورا معيبا بما يستوجب نقضه .
ولقد ذكرنا سابقا أن المشرع العماني إعتبر إختلاس الشيء بقصد إستعماله ورده حالا،سرقة وعاقب عليها بالمادة (281/1) من قانون الجزاء،ويعني ذلك أن مسألة إثبات الإدعاء العام لتوافر نية التملك من عدمها،ليس من أجل إثبات وقوع جريمة السرقة،فالجريمة تعتبر ثابتة ومتحققه ولو قصد الجاني من إخذه للمال إستعماله ورده حالا ً بعد ذلك،وإنما مسألة البحث في توافر نية التملك هي من أجل إعطاء الواقعة الوصف القانوني السليم،هل هي سرقة موصوفة أم سرقة عادية أم سرقة للإستعمال،وذلك طبعا مع مراعاة الظروف والأحوال التي ترافق فعل الإختلاس.