الطبيعة القانونية للتحكيم:
تعد مسألة أحكام التحكيم ذات أهمية بالغة ، وتزايد الأهمية العملية لأحكام التحكيم يرجع إلى عاملين ، العامل الأول : الانتشار الكبير والنجاح غير العادي للتحكيم التجاري الدولي ، والعامل الثاني : عامل اقتصادي يتعلق بالوقت والجهد حيث يواجه الأفراد والشركات عبر الدول صعوبات عديدة من تعقد إجراءات التحكيم ، واستئناف أحكام التحكيم الأجنبية بطرق شتى ورفض تنفيذها بالتوسع في أسباب هذا الرفض ، مما أعطي لمسألة التحكيم أهمية متعاظمة .
لذلك لم تكن مثل هذه الأهمية تغيب عن المجتمع الدولي ، فتحرك نحو هذا الاتجاه ، وكان من جهوده المميزة في ذلك اتفاقية نيويورك للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها عام 1958م ، ولم تلفت تلك الأهمية الشراح القانونين بنفس الدرجة التي لفتت بها المجتمع الدولي ، حيث لم يتناولوا التحكيم إلا في إطار التعريف بالتحكيم كنظام قانوني ، في شكل عموميات ، فلم يستأثر التحكيم بجميع مراحله بمؤلف مستقل إلا في أحوال قليلة .
لذا وجدت أنه من الضروري التعرض بإيجاز مناسب للطبيعة القانونية للتحكيم لأنه إذا كانت إرادة الخصوم ورغبتهم في نظام التحكيم هي التي تحرك النظام القانوني للتحكيم وتوضح معالمه وتحـدد خطواتـه ، إذ أنها هي التي يقع بناء عليها الاتفاق على التحكيم ، وتَّكوين هيئة التحكيم ، وانتخاب أفرادها للفصل في النزاع ، ومن ثم تنفيذ قراراتهم ، إلا أن هذه الإرادة ليست مطلقة ، لأنها مقيدة بنصوص القانون ، فلا بد من وجود نص يجيز هذا التحكيم ويباركه ويسمح به في نطاق الشكل الذي تسمح به الإجراءات بصورة عامه ، بالإضافة إلى أن حكم التحكيم يكون خاضعاً لرقابة القضاء عن طريق الأمر بتنفيذه ، فليس لأحكام التحكيم قوة تنفيذية إلا عن طريق الأمر بتنفيذها من قبل القضاء ، ولأن القاعدة المستقر عليها في نطاق القانون الدولي الخاص ، أن العبرة في تحديد ما إذا كان السند المراد تنفيذه حكماً تحكيمياً أم لا ؟ هو بقانون الدولة التي يطلب فيها التنفيذ ، وإذا كان تحديد معنى الحكم لا يعدو أن يكون إلا مسألة من مسائل التكيف التي تخضع لقانون القاضي كقاعدة عامة ، و من هنا وجدت أهمية بالغة في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم لما لذلك من نتائج في تحديد طبيعة حكم التحكيم .
وإن كان البعض يرى أن كشف أغوار الطبيعة القانونية للتحكيم أمراً لا ضرورة له ، فلا حاجة لعرض أراء الفقهاء وانعكاساتها القضائية ، وإنما يجب أن نحدد موقفنا في هذه المسألة المبدئية بينما يري البعض الأخر صعوبة النظر إلى نظام التحكيم ككل قبل الوقوف على طبيعته القانونية ، وأنا من جانبي أرى إضافة إلى ما ذكرته سابقاً أهمية تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم ، حيث أن ذلك التحديد ليس من الأمور النظرية التي يبدو فيها الجهد ضائعاً بل أنه يفيد في معرفة المعاملة التي سيلقاها حكم التحكيم عند إرادة تنفيذه سواء في الدولة التي صدر فيها أو في خارجها - فمعرفة الطبيعة القانونية للتحكيم تٌعِين إلى حد كبير في تحديد الوصف القانوني لحكم التحكيم عند إرادة تنفيذه ومثال ذلك تحديد إجراءات البطلان الذي يمكن أن تشوب إجراءات التحكيم وحكم المحكم ، إذ القول بالطبيعة التعاقدية للتحكيم يغري بإعتماد أحكام بطلان التصرفات القانونية المنصوص عليها في القانونين المدنية ، بينما القول بالطبيعة القضائية للتحكيم يغري بإعتماد أحكام البطلان المنصوص عليها في قوانين المرافعات - وكذلك تحديد القوة الملزمة لحكم المحكم ، إذ القول بالطبيعة التعاقدية للتحكيم يؤدي إلى اعتبار حكم المحكم مجرد تطبيق لأحكام عقد التحكيم يلتزم به طرفاه بمجرد صدوره ، بينما القول بالطبيعة القضائية للتحكيم يؤدي إلى اعتبار حكم المحكم حكماً بالمعني الدقيق للأحكام القضائية - كما أن تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم تفيدنا من حيث تحديد القانون الواجب التطبيق في مسألة ما وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بإجراءات التحكيم ، وتتجلى لنا أهمية هذا التحديد خاصة مع تنوع الاتجاهات التي ظهرت في هذا الشأن ، حيث أدى الاختلاف في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم إلى اختلاف أشكال وتقسيمات التحكيم ، والتي انعكست على موقف القضاء في مختلف الدول ، بل وفى الدولة الواحدة ، ففي فرنسا يوجد تمييز بين التحكيم الخاضع للقانون المدني وذلك الخاضع لقانون الإجراءات ، وفي إيطاليا يوجد تمييز بين التحكيم الخاضع لقانون الإجراءات والذي يطلق علية التحكيم الرسمي وبين التحكيم الخاضع للقانون المدني والذي تكون مهمة المحكم فيه تكملة أو تعديل عقد ما ويسمى بالتحكيم الحر أو غير الرسمي ، وفي إنجلترا يوجد تحكيم يكون فيه الجانب التعاقدي غالباً ويسمي COMMON LAW ARBITRATION وبين تحكيم يعد شكلاً من الأشكال القضائية ويسمي ARBITRATION STATATORY ، كما أن مفهوم التحكيم من الوجهة الدولية ليس واحداً في كل مكان في العالم وخاصة في النظم الانجلوأمريكيه ، واللاتينية ، والاشتراكية مما سيؤثر بلا شك على المعاملة الإجرائية لحكم التحكيم وتنفيذه .
و الظاهر أن اختلاف النظر حول الطبيعة القانونية للتحكيم أوجد اختلافا في القيمة القانونية للتحكيم ، فمثلاً النظام الانجلو أمريكي عند رقابته للتحكيم ينتقص بلا شك من قيمته القانونية ، فالمحاكم تشارك المحكمين عملهم ولا يستطيع المحكمون أن يقرروا في مسائل القانون - كما أن المحكم ليس ملزم بتسبيب حكمه إلا إذا أمرته المحكمة العليا بذلك ، خلافاً للنظام اللاتيني الذي يوجب تسبيب المحكم لحكمه حتى لو كان المحكم مفوضاً بالصلح ، كما أنه لا يتدخل بالرقابة في مسائل القانون والواقع وإنما رقابته إجرائية فقط .
أولاً :الطبيعة التعاقدية للتحكيم.
يقول البعض أن التحكيم ذو طبيعة تعاقدية ، فالتحكيم ليس قضاءً بمعنى الكلمة لأنه عقد رضائي ملزم للجانبين ، لذلك يبدو حكم التحكيم وفق أنصار هذا الرأي عنصر تبعي في عملية التحكيم لأن اتفاق التحكيم يستغرق عملية التحكيم برمتها بحيث يعد مبدأ لتفسير كافة مراحلها حتى صدور قرار من المحكم يلتزم به طرفا النزاع ، فحكم التحكيم وفقاً لهذه الطبيعة التعاقدية للتحكيم مجرد تحديد لمحتوى عقد التحكيم بمعرفة غير المتعاقدين وهم هنا المحكمون رغم أن حكم التحكيم هو الهدف من عملية التحكيم برمتها من حيث كونه يفصل في النزاع .
ويستند أنصار هذا الرأي على عدة حجج أهمها :-
1- أن أساس التحكيم هـو إرادة الأطراف في التصالح ، ولذا فإن أهمية تحديد طبيعته تتركز في رغبة الأفراد في حل نزاعهم بطريق ودي ، ويكون ذلك عن طريق إحلال تقدير شخص ثالث (المحكم) محل تقديرهم وقبولهم لهذا التقدير .
2- أن الأفراد باتفاقهم على التحكيم يتفقون ضمناً على التنازل عن الدعوى ويخولون المحكم سلطه مصدرها إرادتهم ، وهذه السلطة لا يمكن أن تكون سلطة قضائية إذ أنها تقوم على إرادة ذوي الشأن ، لأنه إذا كانت طبيعة الرابطة القانونية مصدر الأثر القانوني ، هي التي تحدد طبيعة هذا الأثر ، فلا يمكن اعتبار سلطة المحكم سلطة عامه لأن الأفراد الذين يعينون المحكمين لا يتمتعون بسلطة عامه ، ولا يمنع من القول بالطبيعة التعاقدية للتحكيم أن يتم تعيين المحكم أحيانا من جانب السلطة القضائية ، لأن هذه الأخيرة في تعيينها للمحكم ، إنما تحل محل الأفراد في استعمال حقهم في اختيار المحكم .
3- أن التحكيم يختلف في هدفه عن القضاء ، فالقضاء يرمي إلى تحقيق مصلحة عامه ، أما التحكيم فإنه يرمي إلى تحقيق مصالح خاصة لأطراف عقد التحكيم .
4- يفترض القضاء عدم إرادة أحد الطرفين الامتثال للقاعدة القانونية التي تحمي مصلحة الطرف الأخر في مواجهته ، في حين أنه في التحكيم يرغب الأطراف بإرادتهم إبعاد كل شك حول نطاق حقوقهم .
5- أن القانون الوضعي يؤيد هذه الطبيعة حيث أنه :-
أ- يمكن القول أن المحكم يكون وطنياً أو أجنبياً ، في حين أن الوظيفة القضائية لا يباشرها سوى وطني .
ب- إذا لم يقم المحكم بواجبه فلا تنطبق عليه قواعد إنكار العدالة .
ج- إذا أخطأ المحكم فإنه لا يخضع لقواعد المخاصمة .
د- يمكن رفع دعوى أصليه ببطلان حكم المحكم بعكس حكم القضاء .
وهناك نتائج هامة تترتب على الأخذ بهذه النظرية تؤثر على مراحل التحكيم المختلفة كحرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق في التحكيم ، وتحديد اختصاص المحكمين ومدى تدخل قضاء الدولة في تنظيم التحكيم وأدائه ، و الاعتراف بآثار التحكيم .
وقد وجه إلى هذا الرأي العديد من العيوب منها :-
1- المبالغة في إعطاء الدور الأساسي لإرادة الأطراف ، فالواقع أن الأطراف لا يطلبون من المحكم الكشف عن إرادتهم هم ، وإنما الكشف عن إرادة القانون في الحالة المعنية ، فالمحكم وهو يقوم بالفصل في النزاع يطبق إرادة القانون ولا يلقي بالاً إلى ما قد تكون إرادة الأطراف قد اتجهت إليه .
2- أنه إذا كان حكم التحكيم مصدره اتفاق الأطراف ، فإن ذلك لا يضفي الطابع التعاقدي على التحكيم ، لأن المحكم ملزم باحترام قواعد النظام العام وكذلك العديد من القواعد الموضوعية والإجرائية ، ومنها على سبيل المثال احترام حقوق الدفاع ، وأن يكون حكم المحكم على مقتضى قواعد القانون (فقد نص المشرع المصري في المادة 506 مرافعات على أن " يصدر المحكمون حكمهم غير مقيدين بإجراءات المرافعات عدا ما نص عليه في هذا الباب ، ويكون حكمهم على مقتضى قواعد القانون ما لم يكونوا مفوضين بالصلح ، وتنص المادة 35 من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 46 وتاريخ 12/7/1403 بأن " يصدر المحكمون قراراتهم غير مقيدين بالإجراءات النظامية ، عدا ما نص عليه نظام التحكيم ولائحته التنفيذية ، وتكون قراراتهم بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية " ، وهذا تقريباً ما تنص عليه المادة 182 من قانون المرافعات الكويتي والمادة 812 من قانون المرافعات الإيطالي والمادة 1474 من قانون المرافعات الفرنسي الجديد ) ، باستثناء التحكيم بالصلح فلا يتقيد بقواعد القانون الموضوعي إلا ما كان منها متعلقاً بالنظام العام - ويبرر ذلك بأن المحكم المصالح إنما يجري صلحاً ، ومن ثم فهو لا يملك أن يجرد أحد الأطراف من كل ما يتمسك به . إذ أنه لا يقضي بين الخصوم ، فالمحكمون وإن كانوا أفراداً عاديين إلا أنهم يملكون سلطة القضاء التي يملكها القضاة في خصوص النزاع المعروض عليهم لأنهم يفصلون في حقوق والتزامات طرفي عقد التحكيم وفقاً للقانون ، ويملكون إصدار حكمهم ضد واحد من الخصوم أو ضدهما معاً .
2- إن استناد أصحاب هذا الرأي إلى اختلاف أحكام القانون بين التحكيم والقضاء يرجع في الواقع إلى عله واحدة وهي أن المحكم وهو يقوم بمهمته وهي مهمة ذات طابع قضائي لا يمثل الدولة ، ولذلك فمن الطبيعي أن يختص القاضي "ممثل الدولة " ببعض الأحكام القانونية التي تختلف على القاضي "المحكم " .
3- إن امتثال الأفراد للقانون واجب في جميع الأحوال ، بل وكثيراً ما نجد اتفاق الأفراد على تحديد محكمة معينه لتختص بنظر دعواهم ، فهل يمكن القول حينئذ بأن الأفراد لم يمتثلوا للقانون .
4- إن القول بالنظرية التعاقدية للتحكيم يثير الخلاف بصدد تأصيل طبيعة العلاقة التي تربط أطراف التحكيم بالمحكمين ، حيث أصلها البعض على أنها وكالة ، بمعني أن المحكم يعتبر وكيلاً عن الخصوم ، باعتبار أن سلطة المحكم في التحكيم في النزاع لا تثبت إلا باتفاق الأطراف ، بينما أصلها البعض الآخر بأنها إجارة عمل على أساس أن الأفراد يتفقان مع المحكم على إجارة عمله ويترتب على ذلك حقوق والتزامات متبادلة .
ويثير موقف القانون المصري العديد من التساؤلات بخصوص الطبيعة القانونية للتحكيم حيث يفهم من نص المادة (501) مرافعات الملغاة بالقانون رقم 27 لسنة 1994م أن التحكيم يرتكز على إرادة الأطراف ، وقد أشارت صراحة المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات في معرض تعليقها على المادة (513 ) إلى أن ( حكم المحكمين ليس حكماً قضائياً ) ، وبالتالي يمكن أن نستنتج من ذلك ميل القانون المصري للطبيعة التعاقدية للتحكيم ، وفى نفس الوقت يمكن أن نستنتج نفي هذه الطبيعة من نص المادة (299) مرافعات التي تساوي بين حكم التحكيم الأجنبي والحكم القضائي الأجنبي من ناحية تطبيق قواعد تنفيذ الأحكام الأجنبية علي كل منهما .
وقد أنعكس عدم وضوح نصوص القانون المصري في بيان الطبيعة القانونية للتحكيم على القضاء المصري ، فقد قررت محكمة النقض المصرية : أن التحكيم هو طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية (حكم محكمة النقض في 16/2/1971م ، مجموعة أحكام النقض ، س 22ق ، 179 ، حكم محكمة النقض في 16/2/1978م ، مجموعة أحكام النقض ، س 29ق ، 472 ) ، فلا يتضح لنا من عبارة المحكمة أن التحكيم طريق اتفاقي أو أنه طريق قضائي عادى ، بل أن المحكمة بقولها هذا تعني أن التحكيم قضاء خاص لفض المنازعات.
أما في فرنسا فقد أكد الشراح الفرنسيون على أن التحكيم طريقاً خاصاً للتقاضي ذو أساس اتفاقي في صدد تعليقهم على نص المادة (1477) من قانون المرافعات الجديد التي تعرف اتفاق التحكيم بأنه عقد تحكمه قواعد القانون المدني وقد أيد القضاء الفرنسي هذا الرأي سواء كان حكم التحكيم قد صدر في فرنسا أم خارجها ، فلا يصبح حكم التحكيم حكم قضائي حتى في حالة إسباغ السلطة القضائية للبلد الذي صدر فيها ذلك الحكم القوة التنفيذية عليه ، فأحكام التحكيم وفقاً لهذا القضاء تكَّون وحدة مع اتفاق التحكيم وتنسحب عليهما الصفة التعاقدية .
ويلاحظ أنه رغم ما أشتهر عن قضاء النقض الفرنسي اعتناقه للطبيعة التعاقدية للتحكيم ، إلا أن ذلك لم يجد صدى واسع في أحكام القضاء الفرنسي إلا في القليل من الأحكام ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم وضوح ورسوخ هذه الطبيعة في فرنسا .
وفي إيطاليا أكد الشراح الإيطاليين على أن التحكيم ينشأ نتيجة لاتفاق الخصوم عليه .
ثانياً :الطبيعة القضائية للتحكيم.
يري بعض الشراح أن التحكيم ذو طبيعة قضائية ، فالتحكيم قضاء إجباري يلزم الخصوم في حالة اتفاقهم على اللجوء إليه كوسيلة لحل خلافاتهم ، وأنه بهذه الصفة يحل محل قضاء الدولة الإجباري ، وأن عمل المحكم وإن قام وتأسس على اتفاق التحكيم ، إلا أن هذا الاتفاق ليس هو الأساس الوحيد لعمل المحكم ، فعمل المحكم هو عمل قضائي شأنه شأن العمل القضائي الصادر من السلطة القضائية في الدولة ، فمهمة المحكم هي مهمة قضائية وحكمة يرتب نفس الآثار التي يرتبها الحكم القضائي ، وأنه إذا كان التحكيم يبتدئ في مرحلته الأولى بعمل إرادي وهو شرط أو اتفاق التحكيم ، فإن هذا العمل في رأي أنصار الطبيعة القضائية لا يعدو أن يكون مجرد فتيل لوضع هذا النظام موضع الحركة التي تهيمن عليها طبيعتها القضائية ويتحرك بذاتيته الخاصة ، وشأن هذا العمل الإرادي للخصوم في الالتجاء إلى التحكيم لفض منازعاتهم ، يطابق شـأن ذلـك العمـل الإرادي للخصوم في الالتجاء إلى قضاء الدولة .
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى الحجج التالية :-
1- إن التحكيم قضاء استثنائي مستثنى من الأصل العام في التقاضي أمام المحاكم التي نظمها القانون ، وإذا حدث ورفعت الدعوى أمام المحكمة المختصة كان للطرف الأخر الحق في الدفع بعدم الاختصاص ، لأن المحكمة تنظر دعوى هي من اختصاص هيئة المحكمين ، وذلك قياساً على الأثر الذي يترتب على رفع نزاع معين أمام محكمة معينه غير مختصة أصلاً ولكن يجوز ذلك استثناءً كما في الاختصاص المحلي - وجدير اً بالذكر أن الدفع بوجود شرط التحكيم قد أثارت خلافاً بين الشراح فقال البعض أنه دفع بعدم الاختصاص غير متعلق بالنظام العام يتعين أن يبدى قبل التكلم في الموضوع ، وقال البعض الأخر انه يتعين أن يبدى قبل أي دفع شكلي ولا يجوز للمحكمة أن تبديه من تلقاء نفسها ، ونري أن اعتبار هذا الدفع من قبيل الدفع بعدم الاختصاص أمر بالغ الصعوبة ، لأن شرط التحكيم لا ينزع اختصاص المحكمة وإنما يمنعها فقط من سماع الدعوى طالما الشرط قائماً ، كما أنه من المستحيل تحديد نوع عدم الاختصاص ، هل هو اختصاص نوعي أو اختصاص مكاني ، وعليه يكون هذا الدفع بوجود شرط التحكيم هو من قبيل الدفع بعدم القبول ، وشأن هذه الحالة شأن حالة طرح نزاع على محكمة مختصة بعد صدور حكم في ذات النزاع من محكمة غير مختصة أصلاً ، فلا يقال هنا أن المحكمة غير مختصة بنظر الدعوى لسبق صدور الحكم فيها ، وإنما يقال أنها ممنوعة من نظر الدعوى ، وقد أوردت محكمة النقض المصرية رأيها في هذا الأمر في حكم لها حيث قالت : أن هذا الدفع دفع بعدم القبول ولكنه ليس من الدفوع الوارد ذكرها في المادة 115 مرافعات ويجب التمسك به قبل التكلم في الموضع وإلا سقط الحق فيه .نقض مدني 15/2/1972 ، س 23ق ، نقض مدني6/1/1976 ، س 27ق )
2- إن حكم المحكم يحوز حجية الشيء المقضي به ، وينفذ تنفيذاً جبرياً بعد صدور الأمر بهذا التنفيذ ، شأنه شأن الحكم القضائي الصادر من السلطة القضائية في الدولة - ونصت على ذلك معظم القوانين حيث نص القانون المصري في المادة (55) من القانون رقم 27 لسنة 1994م في شأن التحكيم في المواد المدنية التجارية على " تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقاً لهذا القانون حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون " ، و القانون الكويتي في المادة 186 مرافعات ، وإن كان قد أجاز الاستئناف إذا أتفق الخصوم على ذلك قبل صدور الحكم ، والقانون الإيطالي في المواد من 827 إلى 831 ، وعلى العكس من ذلك ذهبت محكمة باريس في 9 /6/ 1981م بأن قوة الشيء المحكوم فيه هي قاعدة متعلقة بمصلحة خاصة وليست من النظام الداخلي إن التحكيم قضاءً لأن جوهر القضاء هو تطبيق إرادة القانون ، فالتحكيم نوع من أنواع القضاء إلى جانب قضاء الدولة ، شأنه في ذلك شأن القضاء الأجنبي الذي يعترف به القانون ، أو القضاء الذي تتولاه هيئات دينية غير سلطة الدولة كما هو الحال في مصر بالنسبة للمجالس الملية .
3- ومما يؤيد الطبيعة القضائية للتحكيم ما درجت عليه القوانين المختلفة من إطلاق اصطلاح الأحكام على أحكام المحكمين والأحكام القضائية ، وما ذهب إليه القانون الفرنسي الجديد من إطلاق لفظ محكمة التحكيم على المحكم أو المحكمين ، بالإضافة إلى القواعد التفصيلية التي أوردتها القوانين لتنظيم الخصومة في التحكيم وإجراءات تسيرها وذلك بشكل يتطابق مع القواعد الموضوعية أصلاً للخصومة القضائية .
4- ولقد تطور موقف القضاء في هذا الشأن ووصل إلى أن تتراجع محكمة النقض الفرنسية عن اتجاهها باعتبار الطبيعة التعاقدية للتحكيم ، فقالت في أحكام حديثة نسبياً : أن أطراف الخصومة بالتجائهم إلى التحكيم إنما يعبرون عن إرادتهم بإعطاء الغير "المحكم" سلطة قضائية ، وقالت المحكمة العليا : أن التحكيم يعد قضاءاً استثنائياً يكون للمحكمين فيه سلطة ذاتية مستقلة للفصل في المنازعات التي يطرحها الخصوم عليهم ، أما محكمة النقض المصرية فلم تدلي بدلوها بعد وإن كانت قد نحت نحو تأييد الطبيعة التعاقدية .
ويترتب على القول بالطبيعة القضائية للتحكيم ، أنه يثور التساؤل حول وقت اكتساب حكم التحكيم للصفة القضائية ، فهل يكتسب ذلك الحكم الصفة القضائية بمجرد صدوره ، أم بعد الأمر بتنفيذه ؟
لقد انقسم الشراح في الإجابة على هذا التساؤل إلى اتجاهين :
الاتجاه الأول : ويتزعمه الشراح الإيطاليين ، وهو عدم اعتبار الصفة القضائية للحكم التحكيمي إلا بصدور الأمر بالتنفيذ (وقد أخذ القانون الإيطالي بهذا الاتجاه في إطار القانون رقم 28 لسنة 1983م حيث أشتمل هذا القانون على تعليق مسألة تصحيح حكم المحكمين والطعن بالبطلان على صدور الأمر بالتنفيذ مما يمثل انتقاصا للقيمة القانونية لحكم التحكيم ، ولكن القانون الإيطالي الجديد الصادر في يناير عام 1994م جاء خلواً من ذلك سواء فيما يتعلق بتصحيح الحكم أو الطعن فيه ، حيث نص على أن بطلان حكم التحكيم يقدم خلال تسعين يوماً من تاريخ إعلان الحكم ، ودون حاجة لصدور الأمر بالتنفيذ ) وقد أيد جانب من الشراح الفرنسيين هذا الاتجاه .
أما الاتجاه الثاني : وهو الاتجاه الغالب لدى الشراح الفرنسيين والعرب وهو عدم اشتراط صدور الأمر بالتنفيذ لإسباغ الصفة القضائية على حكم التحكيم ، فحكم التحكيم يتمتع بالحجية وقوة الأمر المقضي منذ صدوره ، وأن إجراء الأمر بالتنفيذ لا يمنح الحكم الحجية وإنما يجعله قابلاً للتنفيذ - وهذا هو ما قررته محكمة النقض المصرية حيث قالت في أسباب أحد أحكامها : متي كان الثابت أن طرفي الخصومة لجأ إلى التحكيم فيما كان ناشباً بينهما من منازعات متعددة بشأن زراعة الأطيان المملوكة لهما ، وكان حكم المحكمين قد فصل بصفة نهائية في هذه المنازعات وقضي لأحدهما بأحقيته في استلام أطيان معينه بما عليها من الزراعة ، وكانت هذه الزراعة قائمة في تلك الأرض فعلاً وقت صدور حكم المحكمين ، فإن أحقية المحكوم له للزارعة المذكورة تكون أمراً مقضياً له بموجب حكم المحكمين ضد الخصم الأخر ، وتكون دعوى هذا الأخير بطلب أحقته لهذه الزراعة مردودة ، من قوة الأمر المقضي لحكم التحكيم ومن حجيته قبله ، ولا يقدح في ذلك أن يكون هو الزارع لتلك الزراعة ، ولا يغير من ذلك أيضاً ألا يكون الحكم قد تنفذ بالاستلام ، فإن عدم تنفيذ الأحكام لا يخل بما لها من حجية لم تنفض بأي سبب من الأسباب التي تنقض بها قانوناً . طعن رقم 93 لسنة 23ق جلسة 14/3/1957م ، وأيضاً طعن رقم 521 لسنة 44ق جلسة 15/2/1978م ) .
ورغم سلامة ومنطق الطبيعة القضائية للتحكم ، إلا أنها لم تسلم من النقد ، فيعاب عليها بما يلي :-
1- أنه يصعب أن نلحق أحكام التحكيم بأحكام القضاء جملة واحدة ، لأن هناك خلاف بين المحكم والقاضي ، لأن الأخير له وظيفة عامة ويتمتع بالدوام والاستقرار والحصانة فيما يقوم به من أعمال ، كما أن له سلطة الأمر والإجبار ، ويعد منكراً للعدالة إذا أمتنع عن الفصل في النزاع ، ولا دخل للخصوم في اختياره ، بعكس المحكم .
3- إن التشبيه بين نظامي التحكيم والقضاء ، رغم ما قد يبدو فيه من تقويه لمركز التحكيم إلا أنه ليس في صالح التحكيم دائماً ، لأن التحكيم أسبق من القضاء في الوجود .
3- إن الدعوى ببطلان حكم المحكم تتصل في مجموعها بحالات تعيب عقد التحكيم أو تنكره وهي بهذا الوصف تثير الشك في الصفة القضائية لحكم التحكيم ، ومما يبرر ذلك وقف تنفيذ حكم المحكم عند رفعها ، وهي أيضاً بالوصف المتقدم تكفي وحدها كوسيلة للتظلم من الحكم .
ثالثاً :الطبيعة المختلطة للتحكيم.
في كل من الطبيعة التعاقدية والطبيعة القضائية للتحكيم لاحظنا أن كل منهما تحتكم إلى مرحلة واحدة من مراحل التحكيم اصطبغت بالوصف القانوني المصاحب لها سواء كان وصفاً عقدياً أو وصفاً قضائياً
لذلك يري بعض الشراح أن التحكيم ذو طبيعة مختلطة ، فهو ذو طبيعة مركبة ، لأن الأخذ بطبيعة واحدة سواء الطبيعة العقدية أو الطبيعة القضائية يثير العديد من المشاكل والصعاب في التطبيق ، فالتحكيم ذو طبيعة عقدية وقضائية معاً ، فالعنصر الإرادي هو الجانب السائد في المرحلة الأولي للتحكيم وهي مرحلة الاتفاق على التحكيم كأسلوب لحل المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بين الأطراف ، ثم يبدأ هذا العنصر في الأفول تدريجياً تاركاً الغلبة منذ بدء مرحلة التداعي للخصائص التي يتسم بها العمل القضائي .
فالتحكيم وفقاً لهذا الرأي ليس اتفاقاً محضاً ولا قضاءاً محضاً ، وإنما هو نظام يمر في مراحل متعددة يلبس في كل منها لباساً خاصاً ويتخذ طابعاً مختلفاً فهو من أوله اتفاق وفى وسطه إجراء وفي أخره حكم .
ويترتب على الأخذ بهذه الطبيعة نتائج هامة خاصة فيما يتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق ، وكذلك فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام فمثلاً القانون الواجب التطبيق يتم تحديده طبقاً للمرحلة التي يمر بها التحكيم ، ففي المرحلة الأولي يتم تطبيق القانون الواجب التطبيق على الاتفاقيات والعقود ، وفى المرحلة التالية مرحلة التداعي يتم تطبيق القانون الواجب التطبيق على المسائل ذات الطابع القضائي ، أما فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام ، فإن هذه الأحكام من قبل العقود قبل صدور الأمر بالتنفيذ وتصير بمنزلة الحكم القضائي بعد صدور الأمر بالتنفيذ .
إلا أن هذا الرأي لا يخلو من النقد ، حيث وجه إليه النقد التالي :-
1- إنه رغم قيام هذه الطبيعة المختلطة للتحكيم على أساس تحليل ورصد لما يؤثر في التحكيم وهو أمر جداً مهم ، فإن التحليل القانوني يجب ألا يقف عند القول بأن التحكيم ذو طبيعة مختلطة أو خليط غير متجانس ، فمثل هذا الوصف يعتبر بمثابة اعتراف بالعجز ومحاولة للهروب من مواجهة الحقيقة بأبعادها المتعددة ، فالواجب في مواجهة مثل هذه الحقائق المركبة محاولة تحليلها لردها إلى عناصرها المميزة ومحاولة تحديد دور كل عنصر ومظاهرة في كل مرحلة من المراحل المختلفة .
2- إن القول بالطبيعة المختلطة للتحكيم يؤدي إلى خلط بين حجية حكم التحكيم وبين قوته التنفيذية ، فحجية الأمر المقضي تثبت لحكم التحكيم بمجرد صدوره وهي أمر أخر غير القوة التنفيذية التي لا يحوزها حكم التحكيم إلا بصدور أمر قضائي بتنفيذه .
رابعاً :الطبيعة المستقلة للتحكيم.
ذهب بعض الشراح إلى القول بأن التحكيم ذو طبيعة خاصة ، لأن أصحاب الطبيعة العقدية للتحكيم لم يستطيعوا أن يتفقوا على طبيعة هذا العقد ، فهل هو عقد من عقود القانون العام أم عقد من عقود القانون الخاص ، وهل هو عقد ينظم الشكل أو ينظم الموضوع ، حتى الذين يقولون بأنه عقد من عقود القانون الخاص اختلفوا في تحديد ماهية ذلك العقد فتارة يقولون عقد عمل ، وتارة يقولون عقد وكالة ، كذلك أصحاب الطبيعة القضائية للتحكيم لم يستطيعوا الفكاك من اعتبارات النظام القضائي الداخلي ، فالبعض منهم يرى أنه مجرد بطانة للقضاء الوطني ، والبعض الآخر يرى أنه تفويض صادر من الدولة للمحكم لإقامة العدالة بين الخصوم ، أما أصحاب الطبيعة المختلطة للتحكيم فيكفي القول بأن موقفهم فيه نوع من الهروب للتصدي الجدي لمشكلة تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم .
وإذا كان التحكيم يعني الرغبة في فض النزاع بطريقة ودية بين الأفراد ، فإن ذلك يعنى أن نأخذ عند تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم بفكرة مستقلة عن النظم الداخلية ، فالتقسيمات والأنظمة الداخلية لا تعد القوالب المناسبة لوضع نظام مميز للتحكيم في إطارها ، لأن ذلك سيكون على حساب الحقائق العلمية .
وفى تقديرنا أنه يجب أن ينصب البحث في هذه المسألة على حصر العناصر ذات الطابع الإرادي "التعاقدي" للتحكيم وتميزها عن تلك العناصر ذات القضائي بحيث يمكن في النهاية تحديد مدى تداخل كل عنصر من العناصر التعاقدية والقضائية في تكوين نظام التحكيم وإعطائه طبيعته الذاتية المستقلة ، فالجهد يجب ألا يتوقف على محاولة إذابة أحد العنصرين في الآخر ، أو محاولة المزج بينهما وإنما تحليلهما تحليلاً دقيقاً يكشف عن الخصائص المميزة لكل منهما .
فاتفاق التحكيم وإن كان عقداً يتمتع بالخصائص العامة للعقود ، إلا أنه يتميز عنها بهدفه وموضوعه ، فهدفه ليس إقامة علاقة قانونية مبتدأه بين طرفين مالية كانت أو شخصية ، وإنما تسوية النزاع الناشئ عن علاقة قانونية سابقة ، وموضوعه ليس التراضي على تسويه نهائية للنزاع محدده بذاتها ، وإنما إقامة كيان عضوي ( فرداً كان أو هيئة ) ترفع إلية ادعاءات الطرفين لتولي الفصل فيها استقلاً عنهما .
أما عن عمل المحكم فهو بالضرورة حسم النزاع وفقاً للمبادئ العامة التي يضعها النظام القانوني وأهمها مبدأ المساواة ومبدأ المواجهة إلى غير ذلك من المبادئ القضائية ، مع دخول اتفاق التحكيم في عداد الاتفاقات المطروح تطبيقها على المحكم أي أن المحكم عليه أن يطبق شروط اتفاق التحكيم مثله في ذلك مثل القاضي عندما يطبق شروط عقد معين متعلق بالنزاع المطروح عليه ، فالمحكم هنا يطبق اتفاق التحكيم للتعرف على حدود المنازعات التي تدخل في ولايته وللتعرف على القواعد الإجرائية والموضوعية الواجبة الإعمال في صدد النزاع وعلى ذلك يكون اتفاق التحكيم مصباحاً لأداء الوظيفية القضائية للمحكم .
وعلى ذلك نخلص إلى أن التحكيم قضاء اتفاقي يتقيد بنصوص اتفاق التحكيم وبالنصوص القانونية التي ‘يفترض على المحكم الالتزام بها ، لذلك يجب أن نبتعد عن القوالب التقليدية لتحديد طبيعة التحكيم ، فهو ظاهرة وإن سبقت القضاء في الوجود ، إلا أنه ليس أحد السلطات العامة في الدولة مثل القضاء ، كما أنه لا يجوز في كل منازعة ، حيث يجب أن تكون المنازعة قابلة للتحكيم ، فربط التحكيم بفكرة تقليدية عقدية كانت أم قضائية ربما كان ذلك ذا فائدة في الماضي ولكن تلك الفكرة قد تقف الآن عائقاً أمام التوصل إلى نظرة شاملة وواضحة لظاهرة التحكيم التي باتت تفرض نفسها على منازعات التجارة الدولية .
كما أنه في ظل الطبائع المتعددة للتحكيم لن يكون مستبعداً اللبس والخلط لأنه يصعب وضع معيار واحد يمكن على أساسه تحديد طبيعة التحكيم ، وحتى إذا ما حاول البعض إفراد هذه الطبيعة في عدد محدود ، فلن يلبس أن يتحول نوع منها إلى أخر كما حدث في نظام التحكيم بالصلح فقد كان في الأصل قريباً من التوفيق حيث كان هناك اقتراح للأطراف اختيار قبوله أو رفضه ، ولكن التطور لحق به فأعتبر هذا الاقتراح حكما وأصبح الأطراف ملزمون به ، الأمر الذي يجعنا نؤيد الطبيعة المستقلة للتحكيم .
ويثور التساؤل الآن : من أين يستقى التحكيم هذا الطابع الخاص وهذه الذاتية المستقلة ؟
ويجيب بعض الشراح على هذا التساؤل ويقولون : أن التحكيم لا يجد أساسه في القوانين الداخلية للدول فحسب ، وإنما أيضاً في أنظمة ولوائح هيئات ومراكز التحكيم الدائمة المنتشرة في مختلف دول العالم والتي يلجأ إليها الأطراف في صورة ما يعرف بالتحكيم النظامي ( وفق نظام معين ).
وكذا ما تتضمنه المعاهدات الدولية المتعلقة بالتحكيم سواء كانت ثنائية أم جماعية ونماذج القوانين الدولية الموضوعة من قبل هيئات دولية وقرارات المنظمات الدولية .
هذا والله الموفق ،،،
مع تحيات الأستاذ محمد سالم للإستشارات القانونية
19ب عمارات العبور - صلاح سالم - القاهرة