أ
قضية رقم 221 لسنة 24 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 13 مارس سنة 2005 م ، الموافق 3 صفر سنة 1426 هـ برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعى رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين : حمدى محمد على وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور وإلهام نجيب نوار والدكتور عادل عمر شريف وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 221 لسنة 24 قضائية " دستورية " .
المقامة من كل من --------- ، ------------ ضد السيد رئيس مجلس الوزراء و السيد وزير العدل و السيد / ------------- ، والسيد -------------
الإجراءات
بتاريخ الثالث من يوليو سنة 2002 ، أودع وكيل المدعيين صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا طالباً الحكم بعدم دستورية المادة (46) من القانون رقم 49 لسنة 1977 . وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها . ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم . المحكمة بعد الإطلاع على الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى ، وسائر الأوراق تتحصل فى أن المدعيين كانا قد أقاما على المدعى عليهما الثالث والرابع الدعوى رقم 2844 لسنة 1999 مساكن أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ، ابتغاء الحكم بفسخ عقد الإيجار المبرم بينهما وبين المدعى عليه الثالث فى 1/2/1966 ، وطرد المدعى عليه الرابع من الشقة المؤجرة وتسليمها خالية . وقالا بياناً لدعواهما أن المدعى عليه الثالث استأجر الشقة محل النزاع من المدعية الأولى بموجب العقد المشار إليه مع السماح له بالتأجير من الباطن إلا أنه تنازل عنها إلى المدعى عليه الرابع . وأثناء نظر الدعوى أقام الأخير دعوى فرعية بأحقيته فى الشقة موضوع النزاع طالباً إلزام المدعية الأولى بتحرير عقد إيجار له بذات شروط العقد المؤرخ 1/2/1966 استناداً إلى نص المادة (46) من القانون 49 لسنة 1977 ، باعتبار أنه شغل العين المؤجرة مدة تزيد على عشر سنوات سابقة على صدور القانون المشار إليه ، وإذ حكمت المحكمة برفض الدعوى الأصلية وإجابة المدعى عليه الرابع إلى طلباته فى الدعوى الفرعية فقد طعن المدعيان على هذا الحكم بالاستئناف رقم 2334 لسنة 57 قضائية ، ودفعا بعدم دستورية نص المادة 46 من القانون 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ، وبعد أن قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعيين بإقامة الدعوى الدستورية فقد أقاما الدعوى الماثلة . وحيث إن المادة (46) من القانون 49 لسنة 1977 المشار إليه كانت تنص قبل صدور حكم بعدم دستورية الفقرة الأولى منها على أنه : " يحق للمستأجر الذى يسكن فى عين استأجرها مفروشة من مالكها لمدة خمس سنوات متصلة سابقة على تاريخ العمل بهذا القانون البقاء فى العين ولو انتهت المدة المتفق عليها وذلك بالشروط المنصوص عليها فى العقد ، ولا يجوز للمؤجر طلب إخلائه إلا إذا كان قد أجرها بسبب إقامته فى الخارج وثبتت عودته نهائياً أو إذا أخل المستأجر بأحد التزاماته وفقاً لأحكام البنود ( أ ، ب ، ج ، د ) من المادة (31) من هذا القانون . فإذا كانت العين قد أجرت مفروشة من مستأجرها الأصلي فإنه يشترط لاستفادة المستأجر من الباطن من حكم الفقرة السابقة أن يكون قد أمضى في العين مدة عشر سنوات متصلة سابقة على تاريخ العمل بهذا القانون " . وحيث إن المدعيين ينعيان على النص المطعون فيه محصوراً فى فقرته الثانية أنه يتضمن قيداً على حرية التعاقد لإهداره إرادة المؤجر وانتهاكه للحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية والحقوق والحريات الخاصة . فضلاً عن مخالفته المادة الثانية من الدستور لتناقضه مع أحكام الشريعة الإسلامية . وحيث إن ما ينعاه المدعيان من مخالفة النص المطعون فيه لحكم المادة الثانية من الدستور التى تقيم من الشريعة الإسلامية فى ثوابتها ومبادئها الكلية المصدر الرئيسي لكل قاعدة قانونية أقرتها السلطة التشريعية أو أصدرتها السلطة التنفيذية فى حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها . مردود بأن الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة فى مجال تطبيقها لنص المادة الثانية من الدستور لا تمتد وعلى ما جرى به قضاؤها لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها فى 22 مايو سنة 1980 وليس من بينها النص الطعين ، أياً ما كان وجه الرأي فى مدى اتفاقه وأحكام الشرعية الإسلامية . وحيث إن تقصى التطور الذي طرأ على التنظيم القانوني لعقود إيجار الأماكن مفروشة عبر مراحله المختلفة ، يبين منه أن المشرع بدءاً من القانون رقم 52 لسنة 1969 فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين ، حرص على إخراج تلك العقود من حكم الامتداد القانوني الذي كان مقرراً بمقتضى نص المادة (2) من القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين ، فنص صراحة في المادة (23) من القانون رقم 52 لسنة 1969 على عدم سريان الامتداد القانوني عليها ، بحيث تنتهي هذه العقود بنهاية مدتها المتفق عليها . وقد أكد المشرع هذا المنحى بتضمين نص المادة (31) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه ، ومن بعدها المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 حكماً مماثلاً . غير أن المشرع وخروجاً على هذا الأصل أورد المادة (46) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليها متضمنة النص الطعين ومؤداه الامتداد القانوني لعقود إيجار الوحدات السكنية التي استؤجرت مفروشة من ملاكها لمدة خمس سنوات سابقة على تاريخ العمل بالقانون رقم 49 لسنة 1977 فى 9 / 9 / 1977بذات الشروط المنصوص عليها فى عقد الإيجار ، ولمدة عشر سنوات لتلك التي استؤجرت من مستأجريها الأصليين ، وحصر طلب إخلاء المستأجر فى هذه الحالة وتلك فى ذات الأسباب المسوغة لإخلاء مستأجري الأماكن خالية ، أو عند ثبوت عودة المؤجر نهائياً إذا كان الإيجار بسبب إقامته فى الخارج . وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (46) المشار إليها المتعلقة بالأماكن المستأجرة من ملاكها وذلك بحكمها الصادر بتاريخ 2/11/2003 فى القضية رقم 187 لسنة20 قضائية دستورية . وحيث إن القيود التي فرضها المشرع على الإجارة ، واقتضتها أزمة الإسكان وحدة ضغوطها ، وضرورة التدخل لمواجهتها بتدابير استثنائية تعتبر من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها ، وقد أصابها هذا التنظيم الخاص فى كثير من جوانبها ، مقيداً عمل الإرادة فى مجالها ، وعلى الأخص في مجال امتداد العقد بقوة القانون كما هو الحال فى النص الطعين ، إلا أن الإجارة تظل حتى مع وجود هذا التنظيم الخاص تصرفاً قانونياً ناشئاً عن حرية التعاقد وهى أحد روافد الحرية الشخصية التي كفلها الدستور في المادة (41) منه فوق كونها متفرعة كذلك عن حق الملكية المكفول بنص المادتين ( 32 و34 ) من الدستور ليحيطها من جوانبها المختلفة بالمبادئ التي أقامها الدستور صوناً للحقوق والحريات التي اقتضتها ، وقيداً على كل تنظيم يتناول أياً منها أو يمسها فى أحد عناصرها . وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة ، أن حرية التعاقد هي قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية التي تمتد حمايتها إلى إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن تتوافر لكل شخص ، وهى بذلك تتصل اتصالاً وثيقاً بحق الملكية الذي قد يكون هو أو بعض من الحقوق التي تنبثق عنه محلاً للتعاقد ، ومجالاً لإعمال إرادة الاختيار وسلطة اتخاذ القرار في شأن هذا التعاقد ، بما يغدو معه التدخل بنص آمر يخالف ما تعاقد عليه صاحب حق الملكية أو أحد الحقوق المتولدة عنه منطوياً بالضرورة على مساس بحق الملكية ذاته . حيث يرد النص الآمر مقيداً لحرية نشأت فى أصلها طليقة ، ومنتقصاً من مقومات الأصل فيها كمالها ، إذ كان ذلك ، وكان المقرر أيضاً فى قضاء هذه المحكمة أنه ولئن كانت الملكية الخاصة مصونة ولا يجوز المساس بها أو تقييدها بأى قيد ما لم يستنهض ذلك توافر ضرورة اجتماعية ملحة تجيز إيراد بعض القيود على هذه الملكية وفاءً لأدائها لدورها الاجتماعي وبما لا يؤدى إلى إهدارها أو إفقادها جوهر مقوماتها الأساسية ، بما مؤداه أن إيراد المشرع لقاعدة آمرة تنال من حرية المتعاقدين يصبح مرهوناً فى مشروعيته الدستورية بما إذا كانت هناك ضرورة اجتماعية ملحة قامت لتبرير مثل هذه القاعدة الآمرة من عدمه . فإن انتفت مثل هذه الضرورة عُدت القاعدة الآمرة عدواناً على إرادة المتعاقدين أو أحدهم ومن ثم عدواناً على حق الملكية سواء ما تعلق بكامل حق الملكية أو بعنصر من مقوماتها إن كان ما تضمنته سلباً لإرادة المالك فى كل أو بعض ما تعاقد عليه . وحيث إنه لا شبهة فى أن المشرع قد عمد بالنص المطعون عليه إلى تقرير الامتداد القانوني على عقود الإيجار المفروش المبرمة مع مستأجر العين الأصلي شريطة استمرار السكن المفروش مدة عشر سنوات متصلة سابقة على 9/9/1977 تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 49 لسنة 1977 . وهو أمر لم يكن مقرراً من قبل فى القانون رقم 52 لسنة 1969 ، ولا متصلاً بمتطلبات قيام العلاقة الإيجارية للأماكن المفروشة عند إبرامها بين أطرافها وغير متفق مع طبيعتها بل أقحم عليها في مباغتة ومداهمة لم يكن فى مكنة أطرافها توقعه . كما لا تظاهره ضرورة حقيقية تسوغه وتكون علة لتقريره ، ومناطاً لمشروعيته ليغدو معه النص الطعين تدخلاً تشريعياً آمراً اقتحم إرادة المتعاقدين فى هذه العقود . وينفك بتقريره هذا الحق لأحد أطراف التعاقد وهم المستأجرون ، قيداً على حق الطرف الآخر فى التعاقد وهم المؤجرون ، وقيداً على حق الملكية وبما يعتبر انحيازاً لطائفة من المتعاقدين دون طائفة أخرى بغير ضرورة اجتماعية ملحة تبرر ذلك ، فضلاً عن أنه بهذا يكون قد تبنى تمييزاً تحكمياً منهياً عنه بنص المادة (40) من الدستور لا يستند إلى أسس موضوعية . فقد اختص فئة من المستأجرين لوحدات سكنية مفروشة المخاطبين بأحكامه بحقوق حجبها عن أقرانهم مستأجري الوحدات السكنية مفروشة المخاطبين لأحكام ذات القانون وهو القانون رقم 49 لسنة 1977 ومن بعده القانون رقم 136 لسنة 1981 . كما حمل هذا النص مؤجري الوحدات السكنية الخاضعة لأحكامه بأعباء والتزامات خلال فترة الامتداد القانوني للعقد لا يتحملها غيرهم من مؤجري الوحدات المفروشة الأخرى وأخصها حرمانهم من مكنة إنهاء العلاقة الإيجارية بانتهاء المدة المتفق عليها في العقد ، فيما بينهم جميعهم مستأجرين ومؤجرين لوحدات سكنية مفروشة تتوافق العلاقة القانونية التي تربطهم في طبيعتها وتتحد فى جوهرها ، وبالتالي تتماثل مراكزهم القانونية في هذا الشأن . وحيث إنه لما تقدم فإن النص المطعون عليه يكون مخالفاً للمواد ( 32 و34 و40 و41 ) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (46) من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر . وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
أمين السر رئيس المحكمة
مع تحيات الأستاذ محمد سالم للاستشارات القانونية
19ب عمارات العبور - صلاح سالم - القاهرة