"إن تسهيل التعلم بالنسبة إلي هو الهدف الأساسي للتربية، أي الطريقة المثلى للمساهمة في تطور الفرد الذي يتعلم، ويتعلم في الوقت نفسه كيف يعيش باعتباره فردا. أرى السيرورة التي تسمح بتسهيل التعلم كوظيفة قابلة لأن تحمل أجوبة بناءة ومؤقتة وقابلة للتطور لبعض التساؤلات الأكثر أهمية والتي ترهق إنسان اليوم" (ص. 105).
"نعرف [...] إن إقامة هذا الصنف من التعلم لا يتعلق بالمزايا البيداغوجية للمكوِّن، ليس أكثر من معرفته في مجال خاص وليس أكثر من تنظيم برامج الدراسات التي طورها. إنها لا تتعلق لا بطريقة استعمال المساعِدات السمعية البصرية، ولا بلجوئه إلى التعليم المبرمج، ولا بقيمة دروسه وليس أكثر بعدد الكتب المستعملة، بالرغم من أن مختلف هذه العناصر يمكنها، في لحظة أو أخرى، أن تبدو مفيدة كثيرا. لا: التعلم الفعلي مشروط بحضور عدد معين من المواقف الإيجابية في العلاقة الشخصية التي تقام بين ذلك الذي "يسهل" التعلم وذلك الذي يتعلم" (ص.ص. 105-106).
"من بين هذه المواقف الإيجابية الأساسية، الأكثر أهمية بدون شك، هي الصفة الحقيقية، أو الأصالة. سيكون العمل أكثر نجاعة عندما يتعلق الأمر بشخص صادق وأصيل، الذي يضطلع كما هو، ويقيم مع التلاميذ علاقة حقيقية، دون أن يبحث عن أن يختبئ وراء أية واجهة. أقصد بذلك أن المشاعر التي يختبرها هذا الشخص تكون في متناوله وفي متناول وعيه، وأنه قادر على عيشها، وأن يتماهى معهم، وعند الاقتضاء، أن يبلغها لهم. هذا يدل على أن حوارا مباشرا سيقام مع التلميذ على قاعدة علاقة شخص بشخص، وأنها هي كذلك، دون إقصاء ولا رقابة".
"ما أقترحه، في هذا التوجه، هو أن يكون المكوِّن حقيقيا في علاقته بالتلاميذ. يمكنه أن يبرهن على حماسة، أو ضجره، أو الاهتمام بهم، أو أن يغضب، أو أن يبدو متفهما وعطوفا. ومن خلال تقبّل هذه المشاعر على أنها مشاعره الخاصة، لن يحتاج إلى أن يفرضها على تلامذته. يمكنه أن يستحسن أو أن يكره عمل أحد من بينهم دون أن يعني أن التلميذ، أو عمله، جيد أو رديء موضوعيا. لن يعمل بخصوص هذا العمل، إلا على التعبير عن شعور يشعر به شخصيا. وهكذا سيكون بالنسبة لتلامذته شخصا أصيلا وليس تعبيرا غير متجسد لبرنامج عليهم أن يدرسوه أو عنصرا عقيما لتبليغ المعارف من جيل لآخر" (ص. 106).
"لدى أولئك الذين يرغبون في تسهيل التعلم، نسجل موقفا آخر لاحظته وجربته شخصيا، ولكن يصعب تعيينه بلفظ وحيد؛ أقترح له إذن عدة ألفاظ. يتعلق الأمر حسب رأيي بتثمين ذلك الذي يتعلم، وتثمين مشاعره وآرائه وشخصه، يتعلق الأمر بالتعبير عن شهادة رعاية دون أن تكون متملكة. يتعلق الأمر بقبول الآخر باعتباره شخصا متميزا مناطا بصفات خاصة. يتعلق الأمر بثقة فعلية، بالاقتناع الحميمي بأن هذا الشخص الآخر جدير بالثقة. مهما كان الاسم الذي نطلقه على هذا الموقف – تثمين، قبول أو ثقة، مثلا – فإنه يتمظهر بأشكال مختلفة. إن المكوّن (أو المدرس) الذي يكون استعداده الذهني متميزا بشكل خاص، يمكنه قبول دون قيد المخاوف والترددات التي يشعر بها التلميذ أثناء تناوله لمشكل جديد، كما هو الشأن في قبول الرضا الذي يجنيه من نجاحه. مثل هذا المدرس يمكنه أن يقبل اللامبالاة العابرة لتلميذ ما، أن يقبل رغباته المباغتة في الذهاب إلى استكشاف المناطق الهامشية للمعرفة كما هو الشأن بالنسبة للمجهودات التي يفرضها على نفسه لبلوغ الأهداف الهامة. يمكنه قبول مشاعر قابلة لأن تعيق أو تشجع سيرورة التعلم في نفس الوقت، سواء تعلق الأمر بندّية أخوية، أو برفض السلطة، أو بتساؤل متعلق باستعداداته الشخصية. ما نصفه هنا يطابق تثمين الشخص الذي يتعلم باعتباره كائنا إنسانيا غير كامل ولكنه غني بالمشاعر والإمكانات. إنها الترجمة العملية من قبل المكوِّن لإيمانه وثقته الجوهرية في قدرات الجسم الإنساني" (ص. 109).
مع تحيات الأستاذ محمد سالم للإستشارات القانونية
19ب عمارات العبور - صلاح سالم - القاهرة